الحجّاج والسكارى الثلاثة
أحضر رجال الشرطة للحجاج بن يوسف الثقفي في إحدى الليالي ثلاثة شباب من السكارى، فنظر الحجاج إليهم فوجدهم يختلفون عمن سبقهم من العصاة والسكارى إذ إنهم كانوا ذوي لباس أنيق حسن، وتبدو عليهم آثار العز والكرم والأصل الطيب والنعمة والأدب. فقال الحجاج للشاب الأول: من أنت؟ وابن من أنت؟ فقال: أنا ابن من دانت الرقاب له ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهي صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها فقال الحجاج للشرطة: اتركوه حتى الصباح، فلربما أن يكون أحد أقارب الخليفة.
وقال للثاني: من أنت؟ ومن أبوك؟ فأجاب: أنا ابن الذي لا تنزل النار قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره فمنهم وقوف حولها وقعود فقال الحجاج لرجال الحرس: اتركوه حتى الصباح فلربما يكون من أقارب حاتم الطائي أشهر كرماء العرب الأقدمين.
ثم نادى الثالث وسأله فأجاب: أنا ابن الذي خاض الصفوف بسيفه وعالجها بالحزم حتى استحلت يروح ويغدو ناشراً لعجاجها وإن ما بدا خلف الصفوف تولت فقال الحجاج للشرطة: اتركوا هؤلاء الثلاثة.
ثم أحضروهم لي في الصباح لنرى ما في أمرهم، وفي الصباح صحا السكارى وعاد إليهم رشدهم، ولما مثلوا أمام الحجاج قال
للأول: فسّر يا أيها القائل: أنا ابن من دانت الرقاب له، من أنت؟.. فقال: إن أبي حجام، والحلاق يأخذ من مال الناس ومن دمهم، أما
الثاني فقال: إن أبي صاحب مطبخ ومطعم، والناس حوله قيام وقعود،
أما الثالث فقال: أبي صاحب محل للغزل والنسيج، يرتب خيوط القطن ويصففها وينظمها. فضحك الحجاج ضحكة عالية وعرف أنّ هؤلاء الشباب قد أنقذهم أدبهم من القتل، فنظر إلى الحراس وقال
لهم: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي.